أطباء يرموكيون في الميدان

المريض الذي لا يٌنْسى

 jamal bani issa

بقلم: د. جمال بني عيسى
خريج دفعة أدرينالين- الفوج الثالث
 
تحدثني كما حدثك ابنك في هلوساتك..
 
قبل سنة او اكثر التقيتك، ذاكرتي تغفل هذه التفاصيل دوماً، سامحني يا عمّ، لطالما خذلتني جوارحي في الأمور اليومية، كتَذَكّـُـرِ التواريخ و أعياد الميلاد، و عدم سكب الشاي على اغراضي، او تفادي الارتطام بالمارّة.
 
شعوري مختلط تجاهك يا عمّ. هو نوع من المحبة المغمورة بالجفاء، النوع الذي يصيب فؤاد الأب القاسي امام الابن العاصي، و لكنك لست بابن، بل أنت أبٌ لنا جميعاً في صبرك. و من أنا لأحكم عليك و انا أعصي و اتوب مثلك!  فيك دروس الحياة كلها اجتمعت على صفحات كتابك، و يا ليتني قرأت جيداً، فلم يسعفني الوقت -ولا جفائي الأناني و غطرستي بتفادي مكالماتك- بأن أقرأ كما أردت من صفحاتك.
 
مات العديد على عيني فما ارتجف جفني ولا دمعت عيني، فلِمَ أذكرك الآن يا عم؟ و لِمَ أذكرك و لم نعهد بعضنا الا من قليل من اللقاء المشروط؟ فكنت أنا اطببك و انت تطببني أكثر. لربما هو صواب فؤادي يخاطب ماضي قراراتي؟ ام هو عدم اكتمال تصوراتي بأن العديد من كاسات الشاي تلك ستجمعنا؟ لربما أجمل اللقيا هي كذلك — قصيرة، تنقطع فجأة، و تترك ندبةً خفية.
 
و لكنك تحدثني كما حدثك ابنك في هلوسات فقدك. تحدثني بانشغالي عن طلبك وَصْلي و إيهامي لنفسي بأن شغلي هو يُسْرٌ لأمري و كأن عمرك و عمري هو رهنٌ بأمري فكان أمر العزيز الحكيم مفعولاً فمت انت كما مات ابنك مقتولاً.
 
آه يا عم، أنا ترهقني أقاويل الدنيا و أشتات الأمور، و لكن ما حزني أمام صبر قلبك المكسور؟
 
يحدثني صبرك يا عم، يحدثني. من مال و قوة و جاه، الى تلك الشقة التي لقيتك فيها تسعل مختنقاً بثقل قلبك و السوائل تملأ صدرك. ارحموا عزيز قوم ذل.
 
اعرف يا عم، ما مرضك الا من هَمٍّ و وِحدة، و يا ليتني صنت العهدة. ابنة توفت في حادث و إبن مقتول طعناً، فإبن في بلاد الغربة اشتاق له قلبك تقول لي سيعود سيعود. و من ثم فشل في الرئة و القلب. سبحان من ابتلى عباده في الدنيا ليطهرهم في الآخرة. كذلك كنت تقول لي، و صدقت.
 
لربما طببتني اكثر ما طببتك يا عم. لربما أن ربما ليس في مكانها ربما إنما إنما يا عم. و تستمر فهلوتي السخيفة في الكلمات؛ ما زال لدي الكثير لأتعلمه من ذكراك.
 
لم أنسَ بيتك المتواضع و كاسة الشاي. ولا انسى الوشومَ على جسدك تخفيها خجولاً؛ لا تخفها يا عم، كلنا لنا ندبات و علامات، صادف أن علاماتك على جسدك، وتُخْفي النفوسُ ما هو أعظم من وشوم في عمر الشباب.
 
تحدثني في أشدّ  ساعاتي كما أخبرتني كيف يحدثك ابنك و تراه في وحدة الدجى و دجاك انقضى و مضى، و ما زال لي من الدهر حتى اللقا.. لربما في ردى؟
 
التذكار الذي يحمل اسمك ما زال عندي يا عم، انه ليسرني أن اضعه في إطارٍ أوسط حائطي، ان امتلكت حائطاً في يوم ما. ذلك عهد يا عم.
 
تحدثني يا عم، و الآن أحدثهم عنك، و يا ليتني حدثتك حين طلبتني، سامحني.
 
في ذكرى المرحوم بإذن الله تعالى العم -مجازاً- ( ع.ي.)، توفي بعد صراع طويل مع الفشل القلبي، داء التسدد الرئوي المزمن، عدم انتظام دقات القلب، اضطراب ما بعد الصدمة (مجرد ترجيح)، وفاة ابنته، و مقتل ابنه. العم لم يكن دوماً تقياً حسب فهمي، و لكنه مات على التقوى و حب الله، و هكذا عرفته.
 
الدكتور/ جمال بني عيسى
خريج دفعة أدرينالين 2015-2021 

 

YU

رؤية كلية الطب

أن تتميز  كلّيتنا محليًا وإقليميًا وعالميًا في التعليم الطبي والبحث العلمي والمساهمة في رعاية المرضى والخدمات المجتمعية.

اتصل بنا

  •  اربد- الاردن, ص.ب 566 الرمز البريدي 21163
  •  medicine.fac@yu.edu.jo
  •  962-2-7211111 (3037)
  •  7211111 2 962 +
جميع الحقوق محفوظة © 2024 جامعة اليرموك.
+96227211111Irbid - Jordan, P.O Box 566 ZipCode 21163