إن المصادر التعليمية لطلاب الطب عبر تاريخ الطب تطورت من الدراسةِ على يدَ حكيمٍ ومجاورتِه لسنينَ طِوال إلى قراءةِ مخطوطاتِ شيوخِهم الشحيحةِ وبعض التجارب العلمية البدائية إلى نشوءِ المكتبات التي عجَّت بما أبدعه المؤلفون وترجَمَهُ المُترجمون وصُفَّ على أرفف المكتبات العامة.
لو تبصّرنا في تاريخ هذه المنطقة السحيق من بلاد الرافدين سترى عينُ الذاكرةِ مكتباتِ لَكَش ونيبور ونينوى، وفي بلاد الشام مكتبات ماري وأوغاريت، وفي وادي النيل مكتبة الأسكندرية، ومكتبات الجوار الجغرافي القديمة كمكتبة بيرغامون في أنطاكيا ومكتبة الأكاديمية الأثينية.
(ثمّ تلتها المكتبات الكبرى في عهد الحضارة الإسلامية وقد كانت هنالك عشرات المكتبات الكبرى عبر تاريخ الدول الإسلامية المتعاقبة بالإضافة الى مكتبات المساجد والمكتبات الخاصة. نذكر من المكتبات الكبرى مكتبة بغداد "بيت الحكمة" في العصر العباسي التي أسسها هارون الرشيد في القرن الثامن الميلادي و دمرها المغول عام 656 هـ الموافق 1258م، وهنالك مكتبة أُخرى في التاريخ الاسلامي بنفس الاسم وهي دار الحكمة في القاهرة الفاطمية. ثم المكتبات الخاصّة. وقد انتشر هذا النوع من المكتبات الخاصة في جميع أنحاء العالم الإسلامي بشكل واسع ، .ومن أمثلتها مكتبةُ الخليفةِ المستنصر، ومكتبةُ الفتح بن خاقان، الذي "كان يمشي والكتاب في كُمِّه ينظر فيه" . ومكتبةُ ابنِ العميدِ وزيرِ آلِ بُــوَيْهٍ الشهير.
وكان من أكبر المكتبات العامة في التاريخ مكتبة قرطبة في الأندلس التي أسَّسَهَا الخليفة الأموي الحكم المستنصر بالله سنة (350هـ/961م) . وعَلت مكتبات الجوامع في الأندلس على أخواتها في المشرق، ويعد المسجد الكبير في قرطبة واحدًا من أكبر الجوامع وأعظمها، وقد احتوى هذا المسجد الشهير الذي أنشأه الخليفة الأموي عبد الرحمن الداخل سنة (170هـ/786م) على مجموعة كبيرة من الكتب والمصاحف، والتي دُمّر معظمها إبان اجتياح قوات الملك فرديناند الثاني سنة (634هـ/1236م)).
ما بين القوسين الأخضرين عن المكتبات في الحضارة الاسلامية مقتبس من مقالة صحافية منشورة في الجزيرة نت
ُوفي خضم التطور الثقافي كان التعليم الطبي يتطور الى تجارب على الحيوان بتشريحه ومعرفة أثر الدواء عليه والاستفادة من جسده لتطوير الطب البشري ولا ننسى هنا (أبا القَاسِم خَلَف بن عَبَّاس الزَّهراوي (المتوفّى بعد سنة 400 هـ/1013 م) المعروف في العالم الغربي باسمِ Abulcasis ووصفه الكثيرون بأبي الجراحة الحديثة. أعظم مساهماته في الطب هو كتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف»، الذي يعد موسوعة طبية من ثلاثين مجلدًا.كان لمساهماته الطبية سواء في التقنيات الطبية المستخدمة أو الأجهزة التي صنعها تأثيرها الكبير في الشرق والغرب، حتى أن بعض اختراعاته لا تزال مستخدمة إلى اليوم.ويعد الزهراوي أول طبيب يصف بِدِقّةٍ شديدة (الحمل المنتبذ)- ectopic pregnancy، كما أنه أول من اكتشف الطبيعة الوراثية لمرض الناعور (الهيموفيليا). كما كان أول من صنع خيطانًا لخياطة الجراح، واستخدمها في جراحة الأمعاء خاصة، وصنعها من أمعاء الماشية والقطط، وأول من مارس التخييط الداخلي بإبرتين وبخيط واحد مُثبَّت فيهما).
وكمثالٍ على مصادره التعليمية كانت الكتب وخبرة أساتذته واستعمال المختبرات وإجراء التجارب.
ما بين القوسين الأخضرين عن ابي القاسم الزهراوي مأخوذ من صفحة الزهراوي في الويكيبيديا
ِوفي هذا العصر كان للتكنولوجيا الحديثة دورٌ في تطورِ المصادرِ التعليمية أولاً بتطورِ الطباعة َوآلاتِ البحث كالمجاهر ثمّ باستعمال الحاسب الآليّ (الكمبيوتر) الذي حَفِظَ المعلوماتِ في قواعدِ بياناتٍ وسهَّلَ الرجوعَ إليها . وجاءت ثورة الانترنت لتجعل العالم حديقةً صغيرة لا قريةً صغيرة، وصار تداول العِلم سهلاً ولو كان بالتواصل المباشر بين طالب العلم ومصدره المتنائيين تفصلهما قفارً وبحار ، وصارت الكتب تُقْــرَأُ من شاشات الحواسب الآلية بل من شاشات أصغر كالتابلت والهاتف الذكي . كما أن فهرسة الكتب تطورت تطورا كبيراً حيث اختفت بطاقات الفهرسة للمؤلفين والكتب والمواضيع وصار البحث بكتابة ما يراد إيجاده في مستطيل البحث عَبْــرَ نَقراتٍ على لوحةِ مفاتيحَ تحملُ حروفاً وأرقاما.
ثم ساعدت التكنولوجيا الحديثةُ التعليمَ الطبيَّ باختراع تطبيقات الكترونية تسهل نقل المعلومات عبر الانترنت وعمدت الجامعات والمدارس الى استخدامها منذ سنين ولكن جائحة كورونا التي بدأت في عام 2019 وتبعتها الاغلاقات في عام 2020 ولمدة عام ونصف ما بين إغلاقٍ وفتحٍ مؤقت للجامعات والمستشفيات أمام الطلاب جعلت تطبيقات التعلم الالكتروني أمراً لا بد من الاعتماد عليه . وحتى بعد انقشاع غبار هذه الجائحة شيئاً فشيئاً بعد انتشار اللقاحات أخذ التعلم الالكتروني دوراً مهماً جنباً إلى جنب مع التعلم الكلاسيكي في كل مجالات التعليم ولا سيما التعليم الطبيّ.
ُهذه نظرة تاريخية على تطور المصادر التعليمية. نحن في جامعة اليرموك نستلهم من التراث الإنساني ذكرياتِ المكتبات السالفة، ونندمج مع الحاضر العلمي بالمختبرات الحديثة ، ونَتـَـنَسّم عبير المستقبل بالاستفادة من التطور التكنولوجي وذلك بإضافة مصادر جديدة للتعلم الطبي كالتعلم الالكتروني.
تجدون هنا في هذه القائمة ثلاثة عناوين للمصادر التعليمية لطلبة كلية الطب في جامعة اليرموك وهي المكتبات وقواعد البيانات ثم المختبرات وبعدها التعلّم الالكتروني نخبركم فيها عن الحاضر الذي سيصنع المستقبل كما حدثناكم في هذه المقدمة عن الماضي الذي صنع الحاضر.
