كلية الطبّ في جامعة اليرموك:
بكماماتنا الطبية وجهاً لوجه مع كوفيد -19
في الشهرين الأخيرين من عام 2019 تناقلت وسائل الإعلام من محطات تلفزيونية وإذاعية ووكالات أنباء وصحف ووسائل التواصل الاجتماعي أخباراً عن فيروس كورونا مستجد متخوفين من إمكانية انتشاره في العالم. لم يكن تأثير ذلك الفيروس مفهوما بدرجة كبيرة في ذلك الآن. في كلية الطب في جامعة اليرموك لم تمر تلك الأخبار مرور الكرام. فقد وزنّا تلك الأخبار بميزان العلم منذ بدايات سماع أصداء تلك الأخبار ، وبدأ تعاملنا مع كوفيد-19 قبل أن تصل أولى حالاته الى الأردن وحتى قبل أن يطلق عليه اسم كوفيد-19 من قبل منظمة الصحة العالمية في الحادي عشر من فبراير شباط 2020.
في هذا المقال سوف نسلط الضوء على العمل الجاد والمخطط له والذي قمنا به لمواجهة هذا الضيف غير المرحب به والذي فرض نفسه على العالم بأكمله، ولم يجد حدودا تحد من انتشاره.
لقد تكيفت كلية الطب بتعاملها مع الفيروس حسب طبيعة تفشيه في أطواره المختلفة. نحن لا ندعي أننا توقعنا كل شيء بشأنه وأننا كنا مستعدين تماماً له فهذا ما لم تفعله أيّة دولة. ولكننا كنا منفتحين بأفكارنا على كل جديد يخص انتشار الفيروس والحدّ منه، كما تحلينا بالمرونة الكافية للتعامل مع كل مرحلة متوقعة أو غير متوقعة خلال انتشار الوباء. حاولنا قدر الإمكان الاستفادة من خبرات المؤسسات التعليمية في العالم والتي سبقتنا بالتعرض لهذا الوباء في بلدانها. كما كيّفنا هذه الخبرات على ظروفنا الخاصة.
العديد من الخطط وبدائلها قمنا بإعدادها تحضيراً لأيَّ حَدَثٍ مُمْكِنٍ قد يؤثّرُ على عملنا إن كان إدارياً أو تعليمياً أو في مجال البحث العلمي أو في خدمة الجامعة والمجتمع.
تَرَكَّزَ العملُ الشّاقُّ خلال هذه الجائحة على محاورَ متعددة ٍوهي:
1- حملة التوعية بالفيروس وأخطاره وكيفية الوقاية منه
2- العمل التنظيمي مع إدارة الجامعة والكليات المختلفة للتعامل مع الجائحة
3- الأفعال وردود الأفعال على تطورات الجائحة من أجل سير العملية التعليمية بأفضل حال
4- البحث العلمي واستمراره خصوصاً فيما يتعلق بهذا الخطر الصحي والاجتماعي
5- التعامل مع الآثار السلبية التي نتجت عن الجائحة
--------------------------------------------------
1- حملة التوعية بالفيروس وأخطاره وكيفية الوقاية منه
كان هذا أول عمل بدأت الكلية به استحابة للأخبار الواردة عن الفيروس المستجد. قبل اكتشاف أول حالة كوفيد 19 في الأردن قام أعضاء الهيئة التدريسية في الكلية بقسميها الأساسي والسريري بإعطاء المحاضرات لطلاب الكلية ولمنتسبي الجامعة عن الفيروس المستجد. كما قاموا بالمشاركة في الندوات المشتركة داخل الجامعة وخارجها للتثقيف الصحي بشأن الفيروس المستجد. ولم تكن هذه المشاركات في (إربد) المدينة التي تقبع الجامعة في قلبها بل في كل أنحاء المملكة. كما قاموا بإجراء المقابلات الإعلامية ليس فقط لتعليم الناس وتوجيههم بل لدحض نظريات المؤامرة التي تنتشر للأسف مع كل خطر جديد في كل أنحاء العالم وخصوصاً في عصر الفضاء الإعلامي. وعندما وصل الفيروس للأردن لم تتوقف حملات التثقيف الصحي من قبل مدرسينا بل زادت لتعطي للجمهور المعلومات الكافية لمحاربة الوباء الذي أُعلن عنه من خلال منظمة الصحة العالمية كحالة طوارئ عامة عبر العالم وذلك في 30 يناير كانون ثاني 2020 ثم كجائحة عالمية في 11 مارس آذار 2020.
ما قبل قرارات الحكومة بالإغلاق العام كانت المحاضرات العامة سبيل أعضاء الهيئة التدريسية للتوعية العامة، والعمل التطوعي لطلابنا لتثقيف الجمهور في أماكن التجمع كالمولات والحدائق ولتعليمهم كيفية الوقاية من التعرض للفيروس بوسائل الحماية.
ما بعد الإغلاق الشامل تركزت حملات التوعية في وسائل التواصل الاجتماعي والمقابلات الاذاعية عن بعد. ولا زال أطباؤنا ينشطون في التوعية الصحية خصوصاً لحثّ الجمهور على أخذ المطاعيم التي بدأت الدولة بإعطائها منذ شهور وتنوي إعطاءها لجميع قاطني المملكة.حتى نصل الى مرحلة المناعة المجتمعية.
2- العمل التنظيمي مع إدارة الجامعة والكليات المختلفة للتعامل مع الجائحة
سارعت جامعة اليرموك بالأخذ بالإجراءات اللازمة لتأمين صحة المنتسبين اليها من ابنائها الطلاب وموظفيها وأعضاء الهيئة التدريسية ولذا شكلت اللجنة الوبائية لمحاربة كوفيد في جامعة اليرموك. وقد تمثلت كلية الطب بثلاثة من أعضاء هيئة التدريس فيها من القسم السريري وهم د. منتصر العمري ود. محمد الزعبي ود. سهم غرايبة. وهم على الخط الساخن للجنة وعلى اتصال مباشر مع منتسبي الجامعة الذين يصابون بالفيروس أو يخالطون مصاباً أو شخصاً مشتبهاًً بإصابته ليزودوهم بالتوصيات اللازمة للخطوات القادمة كلٌّ حسب حالته وتماشياً مع توصيات اللجنة الوبائية الوطنية لوزارة الصحة الأردنية والتي بدورها تعتمد على توصيات منظمة الصحة العالمية كمصدرٍ رئيسي موثوق.
ومن ناحيةٍ أُخرى فإن كلية الطب وبالتعاون مع وزارة الصحة قبلت عشرات المتبرعين من طلابها في المرحلة السريرية من السنوات الرابعة والخامسة والسادسة ليتدربوا على إعطاء حقن المطاعيم للجمهور لتنشيط حملة التطعيم الوطنية لتشمل جميع المواطنين والمقيمين واللاجئين. وبهذا سيعمل طلابنا يداً بيد مع زملائهم في الطواقم الطبية كجنود في الجيش الأبيض.
قامت كلية الطب بالتعاون مع إدارة الجامعة في إنجاح حملة تطعيم الطلاب التي نظمت بالاتفاق ما بين وزارة الصحة و وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وذلك من أجل عودة آمنة للطلاب الى الحرم الجامعي وكانت الأولوية لتطعيم طلاب الطب في السنوات السريرية في كليات الطب الأردنية . وكان تطعيم طلاب طب اليرموك في يومي السبت والأحد 29و 30-مايو أيار 2021.
3- الأفعال وردود الأفعال على تطورات الجائحة من أجل سير العملية التعليمية بأفضل حال
إن للعملية التعليمية في كليات الطب خصوصية وتميزُ عن باقي الكليات حيث أن نصف السنوات الدراسية يقضيها الطالب في المستشفيات والمراكز الصحية ولا يقتصر تعليمهم على قاعات الدراسة والمختبرات في الحرم الجامعي. وهذا يفرض تحدّيات مختلفة على العملية التعليمية. مع بداية الإغلاق الشامل ومع قرارات الحكومة بتحويل نمط التعليم من وجاهي الى تعليم عن بعد استجابت الكلية وبالتعاون مع دائرة الحاسب الالي بتزويد طلابنا ومدرسينا بالمنصات الالكترونية الخاصة بالتعلم الالكتروني بما يوفر للطالب المحاكاة القصوى للفوائد التي كان يجنيها من التعليم الكلاسيكي الوجاهي. علاوة على ذلك قام أعضاء الهيئة التدريسية باستعمال منصاتهم الخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي خدمة للعملية التعليمية . وقامت دائرة الحاسب الآلي بتنظيم ورشات تدريبية لمدرسينا في قسمي الكلية لتطوير مؤهلاتهم التقنية في مجال التعليم الالكتروني والتقييم والامتحانات وهذا ينطبق على تدريس كلا المرحلتين الأساسية والسريرية.
كانت أقصى صعوبة واجهت المعلم والطالب هي بتعويض التدريب السريري، حيث أن المعرفة العلمية المجردة وحتى في الحالات السريرية من الممكن تعويضها بمناقشة حالات سريرية مفترضة تحاكي الحالات السريرية في المستشفيات ولكن أنّى لهم تَعلَُم مهارات التواصل مع المرضى ومرافقيهم وأخذ خبرة التواصل مع الطاقم الطبي والتمريضي والعاملين في القطاع الصحي بطريقة التعلم عن بعد. لذلك قام الأطباء مشكورين بإعطاء طلابهم بعضاً من هذه المهارات من خلال الخبرات الخاصة شفوياً. كما أن الكلية استغلت فترات فتح الحياة العامة عندما تنخفض الحالات ومابين فترة إغلاق وأُخرى استغلت الكلية هذه الفترات لتعويض الطلاب بعضاً من التدريب السريري داخل المستشفيات والمراكز الصحية . ومع قِصر مدة التعويض الا أنها تبقى أفضل من عدم تعرض الطلاب للمرضى ودخولهم المستشفيات.
و كما أن الكلية وبالتعاون مع الجهات الطبية الكبرى في المملكة تسعى الى تعويض الخريجين من الدفعات التي لم تأخذ كامل تدريبها السريري داخل المستشفيات ، ومخطط لهذا التعويض ان يكون خلال سنة الامتياز ويحتسب ضمن دوامها .
4- البحث العلمي واستمراره خصوصاً فيما يتعلق بهذا الخطر الصحي والاجتماعي
قامت الكلية وما زالت تقوم بتشجيع أعضاء الهيئة التدريسية باستكمال أبحاثهم واستغلال فترات الاغلاق بالعمل البحثي. كما تشجعهم على البحث بشؤون الجائحة إن كان من الناحية النظرية من قِبَل أعضاء قسم الطب الأساسي وإن كان من الناحية السريرية من قبل أعضاء قسم الطب السريري. أو أكاديمياً بدراسة آثار الجائحة على العملية التعليمية ومخرجاتها. وقد تمّ نشر عدد من هذه الأبحاث في مجلات علمية مصنفة ، وستستمر هذه الأبحاث في المستقبل القريب والبعيد.
5- التعامل مع الآثار السلبية التي نتجت عن الجائحة
كان للجائحة تأثيرات سلبية على العديد من مناحي الحياة كأفراد وكمجتمع. نحن نتعامل مع الآثار النفسية التي طرأت على كل طالب أو موظف أو أستاذ فقد أحداً من أحبائه بسبب الجائحة أو لمعاناة عزيز عليه بسبب مضاعفات كوفيد. ولا تقتصر الاثار السلبية لكوفيد على فقدان الأحبة أو مرضهم بل تتعداها الى الأثر السلبي للبقاء في المنازل لفترات طويلة وكيفية التكيف مع هذه العزلة أو التكيف مع الرجوع الى التواصل الحياتي الذي كان مفقوداً. كما أن من أبرز اهتماماتنا بهذا الشأن هو طلابنا الذين انضموا لكليتنا في السنتين الأخيرتين حيث لم يتمكنوا من الدوام داخل الجامعة الا لفترة محدودة مما يقلل من خبراتهم الحياتية والاجتماعية ويؤثر سلباً على تحصيلهم العلمي عندما يعودون الى الحرم الجامعي بمستوى دراسي يفوق خبراتهم الجامعية الاجتماعية.
وكما أشرنا سابقاً الى تعويض طلابنا في المرحلة السريرية حيث سيمكنهم هذا من دخول الحياة السريرية الحقيقية مما يرفع من معنوياتهم وثقتهم بأنفسهم عندما يقابلون المرضى أو يتعاملون مع الطواقم الطبية. وليعود اليهم الشعور بالمكان الذي سيحتضنهم عندما يصبحون أطباء ممارسين.
كان للإغلاق الشامل أولاً ثم لقرارات تقليل أيام دوام الكادر الإداري ما بعد انتهاء الاغلاق - والتي أتت لتكريس التباعد الاجتماعي أثناء وقبل وبعد الدوام- دورٌ في تأخير بعض الأمور الإدارية ولكن هذا الأمر سعت الكلية لحله عبر عدة وسائل أولها هو العمل لمن تسمح له طبيعة عمله أن يؤدي عمله من المنزل. والحل الآخر كان بتوزيع المهام على الحاضرين كل يوم بدلاً من تأخير العمل الخاص بكل موظف. هذه الحلول كان لا بدّ منها لسير العمل على أحسن ما يرام وخصوصاً في نهايات السنوات الأكاديمية حيث يتطلب العمل الورقي للطلاب الخريجين أن ينجز في أسرع وقت حتى لا يتأخر الخريجون عن الالتحاق بسنة الامتياز- سنة التدريب ما بعد التخرج-.
كان ولا زال وقت الجائحة عصيباً على كل دولة وعلى كلَ مؤسسة صحية أو مؤسسة تعليمية في جميع أنحاء العالم. لا زلنا نتعلم يومياً كيف نطوّر من أدائنا في مواجهة كوفيد-19 مع أننا تلقينا الكثير من الخبرات خلال ما مضى من عامٍ ونصف. أملنا في كلية الطب هو أن يتمكن العالم من السيطرة على الوباء وتصفير عدد حالات الوفاة وإنقاذ حياة وعلاج المرضى الذين تسبب لهم كوفيد بمضاعفات أثرت على حياتهم. لنعود قريباً الى حياتنا الطبيعية ما قبل كوفيد-19 مع فهمٍ أعمق ورعاية أكبر لصحة كل فرد فينا ولصحة مجتمعنا ككلّ ولصحة البشر في كوكبنا الجميل.