بقلم: د. سماح العجّاوي
خريج دفعة مجد- الفوج الخامس
"نزُفكمُ الآن للوطن أطباء وطبيبات "
بهذهِ الكلماتُ انتهى حفلُ تخريجنا في الثامنِ من آب لسنة ٢٠٢٣ ..
فقد أعلنت النهايةُ بدايتها ، فكل النهايات نهايات ، إلا في الطب ، متى بدأنا لا ننتهي ...!
لا أنسى ليلة السابع عشر من شهر أيلول في سنة ٢٠١٧ (كأنه الأمس) ، عندما اختارنا "الطبُ" أبطالاً لبداية مغامرةٍ جديدة ،في كتاب عنوانَه "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً "
بسم الله نبدأ ،
في لقائي الأول بزملاء الطريق :
أذكر الوجوهَ ولا أعرف الأسماء، في العيون توقدٌ من أمل ، شوقٌ لِصورٍ و ذكريات تنتظرنا ، استعدادٌ للمعارك الخفية ، شغفٌ للعلم والمعرفة ، رهبةُ البدايات وخوف من فشل ، وعلامات استفهامٍ كثيرة ..
أولها " هل نحنُ لها ؟! "
لقد كُنا نُعيدُ السؤال مراراً وتكرارا حتى ملّنا السؤال ! اليوم بعد سنوات ست، أسألكم كلٌ باسمهِ هل كنا لها ! نعم ..، نحنُ لها وإليها ومنها، "دكتور في الطب " ،
كيف لا ! وقد كنا نسهرُ الليلَ بِطوله ،تشهدُ الكتبُ على غفواتنا المتكررة وفنجانُ القهوةِ صديقنا السرمدي ، ندرسُ الحرف تلو الحرف حتى نودع القمرَ ونستقبلُ نورَ الشمس دونما لينٍ واستراحة ، ضجيجُ محاولاتنا لامسَ النجوم ، ورنينُ أحلامنا صنعَ سمفونيةُ نِداءٍ لكلِ الحالمين بأننا " سوفَ نبقى هُنا كي يزولَ الألم " ...
مع انطلاقةِ العصافير كنا نذهبُ لكل امتحانٍ حاملين دعوات العائلة وأنّاتُ المتألمين ودموعهم وأحلامَنا وتضحياتنا التي تزِنُ الجِبال رزانةً ، لقد صدق من قال " الطبُ عِلمٌ لا يُعطيكَ بعضَهُ حتى تُعطيهُ كلك "
...
( ماما ).. طبيبتي وملهمتي الأولى،لازلتُ أذكرُ باقةَ الوردِ التي صنعتيها لي في ليلة امتحانٍ صعب وكتبتي : " سماح ... عانقيني بكلِ ما أوتيتي من قوة ، فقد غص النايُ وسئمتُ الشاي .. وأدمنتكِ يا صغيرتي ، كما يُدمنُ الحنينُ القهوة ، إلى أمي التي لم تلدني "
، كل الشعورِ والمعاجم والقوافي تقفُ عاجزةً أمام حُسنِ كلماتكِ يا حبيبتي فكلُ ما وصلتُ إليهِ من صنعِ يداكِ، فسلمت يداكِ ...
لم أكن لأفعلها لولا دعواتكِ ، ففي كل مرةٍ أوشكَ اليأسُ أن ينالَ مني ، تهمسي في أذني ترنيمةً :"فما مجدٌ يجيءُ بِغيرِ كدٍّ .. ومَا الدنيا بِلا تَعبٍ تجُودُ" ، ..
فلأجلِك ،أنتِ، وحدكِ اليوم أرتدي حلمنا فما رأيك أن ترتديه معي يا أمي لنُكمِلَ الطريقَ سويّا !
....
أتذكرُ يا أخي كم رددنا سوياً " لا تنسى أخاك ، ترعاهُ يداك ... لا تنسى أخاك "،وكم لعبنا وكم بكينا وضحكنا وافترقنا ورجعنا !!؟؟ اليوم تخرجنا معاً ، فمباركٌ لي بك يا أخي وصديقي مالك ❤️، هل تعِدنُي أن نكملَ الطريقَ أيضاً معاً ! مهما فرقتنا المسافات ، روحاً وقلباً واحد ، في السراء والضراء ..
....
لا ولن أنسى من علمني أول مهاراتِ الحِرفة الطبية ،، "أوَعلِمتَ أشرفَ وأجلَّ من الذي ~ يبني ويُنشئُ أنفُساً وعقولا " أساتذتي ومُعَلِّمِيََ ، شُكرًا لكم فُراداً فُرادا وإن لم أستطع إحصاءكم ... فعُذراً وشُكرا
..
....
اليوم ، أضعُ سماعتي وأرتدي ثوبَ الحُلم وطاقيةَ التخرجِ ، " أقسِمُ بالله العليِّ العظيم ، أن أراقِبَ اللهَ في مهنتي وأن أصونَ حياةَ الإنسان ..."
قد يتبع ..